تنظيم مديرية الملاحة التجارية واختصاصاتها إلى أين ؟

Marine Marchande
Typography

لقد نُشر مؤخرا بالجريدة الرسمية الصادرة في 15 أكتوبر 2020 قرار وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، رقم 1921.20 المؤرخ في 20 يوليوز 2020 الذي يحدد تنظيم واختصاصات الأقسام والمصالح التابعة للإدارة المركزية لوزارته.

سينصب اهتمامنا في هذا المقال على مقتضيات المادة 4 من هذا القرار، المتعلقة بالمديرية العامة للموانئ والملاحة التجارية التي تم إنشاؤها حديثا. والهدف الوحيد من مقالنا هذا هو إبداء رأينا المتواضع حول هذا الموضوع. ونحن إذ نأسف عن عدم توفرنا على مذكرة تقديم (نص هذا القرار) التي كان من الممكن أن تنيرنا، فإننا لا ندعي إلماما شاملا بالموضوع، ولكن يحذونا أمل في أن نثير على الأقل اهتمام قرائنا المحترمين، خاصة منهم مهنيو القطاع.

نود بادئ ذي بدء، أن نعرب عن دهشتنا لموافقة وزارة المالية على إنشاء عدة مديريات عامة، خاصة في ظل هذه الأزمة التي تعيشها بلادنا (كبقية دول العالم)، ما لم تكن قد أخذت في حسبانها أن المناصب التي تم الاستغناء عنها تعوض، من حيث الأجور والتعويضات، المناصب الجديدة التي أحدثها التنظيم الهيكلي الجديد؛ لأننا نعتقد أن هذا وحده هو ما يمكن أن يبرر قرارات الوزير المسؤول عن تدبير الميزانية في المملكة. ومع ذلك، يحق للمهنيين أن يتساءلوا عن القيمة المضافة للمديرية العامة للموانئ والملاحة التجارية. هل ستشكل عنصرا موحدا يتوفر على جميع الوسائل اللازمة لمواجهة التحديات التي تواجه القطاع البحري على وجه الخصوص؟ هل ستتمكن من الاستفادة من جميع الفرص المتاحة، من أجل على الأقل، الارتقاء بهذا القطاع إلى نفس مستوى قطاع الموانئ بجميع مكوناته؟ وحده المستقبل سيخبرنا بذلك.

وفي انتظار ما سيسفر عنه المستقبل، فإن قراءتنا الأولية لنص هذا القرار، تسمح بأن نعرض فيما يلي ملاحظاتنا، مستعينين في هذه المهمة بالجدول التالي، الذي يتضمن التنظيم الهيكلي لمديرية الملاحة التجارية المنصوص عليه في قرار وزير التجهيز والنقل المؤرخ في 4 أغسطس 2008 وذلك المنصوص عليه في قرار وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء المؤرخ في 20 يوليوز 2020 :

قرار 20 يوليوز 2020 (الجريدة الرسمية رقم 6926 بتاريخ 15 أكتوبر 2020)

قرار 4 غشت 2008 (الجريدة الرسمية رقم 5659 بتاريخ 25 غشت 2008)

- قسم النقل البحري والأسطول الذي يضم :

            * مصلحة الرهون البحرية والتدبير الإداري للأسطول؛

            * مصلحة النقل البحري والأنشطة الترفيهية؛

            * مصلحة الدراسات الاقتصادية والإحصائيات.

- قسم الملاحة والسلامة البحرية الذي يضم :

            * مصلحة مراقبة أمن وسلامة السفن؛

            * مصلحة رجال البحر والتكوين والعمل البحري؛

            * مصلحة الملاحة البحرية ومحاربة التلوث البحري.

- قسم الشؤون القانونية والاتفاقات الدولية الذي يضم :

            * مصلحة التنظيم القانوني والملائمة مع الاتفاقيات الدولية ؛

            * مصلحة اليقظة القانونية والاتفاقات الدولية؛

            * مصلحة أنظمة المعلومات البحرية.

بالإضافة إلى ما سبق : مصلحة الجودة والتدقيق.

- قسم النقل البحري الذي يضم :

            * مصلحة إيجار السفن والملاحة غير النظامية ؛

            * مصلحة الخطوط النظامية والدراسات الاقتصادية والإحصائية ؛

            * مصلحة العلاقات مع المهنيين.

- قسم الملاحة التجارية الذي يضم :

            * مصلحة الوقاية ومحاربة التلوث البحري؛

            * مصلحة سلامة الملاحة التجارية ؛

            * مصلحة المراقبة التقنية للسفن ؛

            * مصلحة الملاحة الترفيهية.

- قسم رجال البحر والأسطول الذي يضم :

            * مصلحة رجال البحر ومراقبة العمل البحري ؛

            * مصلحة المحافظة على الرهون البحرية.

- قسم الشؤون الإدارية الذي يضم :

            * مصلحة الشؤون الإدارية ؛

            * مصلحة أنظمة المعلومات؛

            * مصلحة الإحصائيات البحرية؛

            * مصلحة التعاون الدولي والعلاقات مع المنظمة الدولية البحرية.    

  1. نلاحظ بداية أنه تم حذف قسم الشؤون الإدارية بمديرية الملاحة التجارية، وقسم الشؤون الإدارية والعامة بمديرية الموانئ والملك العمومي البحري، لكي يتم الاحتفاظ فقط بقسم واحد مكلف بالشؤون الإدارية والمالية، تم وضعه تحت إمرة المدير العام للموانئ والملاحة التجارية. ويمكن اعتبار ذلك مقبولا، إذ يتعلق الأمر بترشيد التنظيم الإداري.
  2. تقلص عدد أقسام مديرية الملاحة التجارية من 4 إلى 3، في حين تقلص عدد مصالحها من 13 إلى 10. أما بالنسبة لمديرية الموانئ والملك العمومي البحري، فقد تقلص عدد مصالحها من 14 إلى 11 ؛ ولكن تم إحداث قسم جديد بها، مكلف بسلامة وأمن وتطوير الموانئ. ويأتي إنشاء هذا القسم الجديد منسجما تماما مع المهام الجديدة الموكولة لهذه المديرية، تطبيقا لمتطلبات المدونة الدولية لأمن السفن ومرافق الموانئ، في جزئها المتعلق بالموانئ.
  3. مع احتفاظه بمهامه المتعلقة بالدراسات الاقتصادية والخطوط المنتظمة، أصبح قسم النقل البحري مكلفا بالتدبير الإداري للأسطول، بما في ذلك المحافظة على الرهون البحرية، فضلا عن تكليفه بتدبير أنشطة الترفيه.

قد يعتقد البعض أن البنية الجديدة لهذا القسم هي ناتجة عن تحرير النقل البحري الذي تم في عام 2007 والذي للأسف لم يكن مقترنا بإجراءات مواكبة؛ هذه الإجراءات التي كان يجب أن تحسن القدرة التنافسية لمجهزي السفن المغاربة، من خلال تمكينهم من نفس الوسائل التي يتمتع بها منافسوهم (نظام ضريبي خاص مناسب، نظام رهن يشجع تمويل المشاريع، التأمين، إلخ) ؛ غير أنه وكما سنرى ذلك، لا تزال هناك بعض الأنشطة التي تبرر الحفاظ على الهيكل التنظيمي القديم لهذا القسم، لأننا نعتبر أن هذا الأخير هو الذي يقوم بإعداد التوجهات الرئيسية ويسهر على تنفيذ القرارات الإستراتيجية التي تهدف إلى تطوير القطاع.

ونعتقد والحالة هذه، أن تدبير الأنشطة الترفيهية يجب أن يسند بالأحرى إلى القسم المكلف بالملاحة، وذلك نظرا لهيمنة الجانب التقني الذي يميز هذا النوع من الملاحة.

  1. قسم الملاحة والسلامة البحرية، الذي يحتفظ بمعظم مهامه (باستثناء الأنشطة الترفيهية)، أصبح مكلفا برجال البحر، خاصة على مستوى التكوين والعمل البحري، وذلك بعد أن تم تفكيك قسم رجال البحر والأسطول.

نسمح هنا لأنفسنا بفتح قوسين، لنشير فقط إلى أن معظم البلدان، مهما كان مستوى تطورها، فإنها تفرد هيئة تعهد إليها بمهمة التدبير التقني والإداري لرجال البحر. وإن أول درس تعلمناه هو أن الإدارة أو السلطة البحرية تقوم بتدبير رجال البحر وأداة عملهم التي هي السفينة، وأن جميع مهامها، مهما بلغت في تنوعها، تدور حول هذين الركنين الأساسيين.

  1. إن إحداث بنية من درجة قسم، مكلف بالشؤون القانونية والاتفاقيات الدولية أمر يستحق ترحيب حارا. فالقطاع البحري من الميادين الأكثر عولمة منذ فترة طويلة وتحكمه مجموعة من النصوص التقنية المعقدة إلى حد ما والتي تتطلب بالفعل يقظة قانونية. ويتطلب خصوصا مهارات عالية المستوى، قادرة على المساهمة بفاعلية في إعداد قواعد ومعايير خاصة، داخل هيئات آلة عظيمة هي المنظمة البحرية الدولية؛ وهي قواعد ومعايير يجب إدراجها ضمن المنظومة التشريعية الوطنية، دون إغفال أن هذه المنظمة لم تعد تكتفي بمصادقة الدول على الاتفاقيات، ولكنها على مر السنين، وضعت نظاما للمراقبة والتدقيق للتأكد من أن هذه الدول تقوم بتطبيق المعاهدات التي تصادق عليها بحذافيرها.

وهنا نتساءل فقط عن صواب إلحاق مصلحة أنظمة المعلومات بهذا القسم.

كما أن إحداث مصلحة الجودة والتدقيق يستحق ترحيبا أيضا. وسنكون أكثر اطلاعا على المهام التي ستسند إلى هذه المصلحة، عندما سيتم، وفقا لما جرى به العمل منذ بضع سنوات، نشر بطاقة وظيفة رئيس هذه المصلحة، وذلك في إطار الدعوة لتقديم طلبات الترشيح لشغل هذا المنصب.

أخيرا، نود أن نعرف سبب عدم ورود مركز مراقبة الملاحة البحرية بطنجة في هذا النص الجديد، هل يتعلق الأمر بمجرد سهو ؟

لاحظنا أيضا غياب جانب آخر لا يقل أهمية : التعاون الدولي، الثنائي والمتعدد الأطراف، خاصة إذا علمنا أن الملاحة التجارية، بحكم طبيعتها، مفتوحة على العالم الخارجي. يجب أن يتميز المغرب البحري بحضوره ونشاطه في العديد من البرامج التي يقودها الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. دون أن ننسى أن جميع المنظمات الدولية (المنظمة البحرية الدولية، منظمة العمل الدولية، إلخ) تشجع البلدان على اتخاذ ما يلزم للتعاون معها وفيما بينها كدول أعضاء.

إلى هنا، ربما لن تكتمل الصورة أو لن نشبع نهم القارئ، إذا لم نذكره بجانب آخر (تناولناه في نشرات 16 أبريل و8 يوليوز 2020) مرتبط ارتباطا جوهريا بالموضوع الذي نناقشه : اختصاصات مديرية الملاحة التجارية؛ لأننا نعتقد أن التنظيم الهيكلي الجديد لهذه المديرية، قد تمت ملائمته مع الصلاحيات المنصوص عليها في المرسوم رقم 2-19-1094، المؤرخ 26 فبراير 2020 (المنشور في الجريدة الرسمية رقم 6871 بتاريخ 6 أبريل 2020) والتي تم تقليصها والحد منها.

ومن أجل هذه الغاية، سنعرض للصلاحيات التي لم يعد لها ذكر في المرسوم المشار إليه، مع الإعراب مرة أخرى عن رأينا المتواضع :

أ) "السهر، بتعاون مع الإدارات والمؤسسات المعنية، على إعداد مخططات تنمية الأسطول التجاري وتنفيذها ومراقبتها. ولهذه الغاية، تقترح جميع التدابير التي من شأنها تشجيع صنع السفن وتجهيز السفن المعدة للتجارة والخدمة".

يتعلق الأمر بصلاحية تؤكد أن الإدارة البحرية هي إدارة تركيبية يجب أن تتمتع بسلطات كافية، تمكنها من إقناع الأطراف المعنية ودفعها للمساهمة في تطوير القطاع البحري واتخاذ قرارات ذات صلة تدخل ضمن صلاحياتها، مثل وزارة المالية ووزارة البيئة والوزارة المكلفة بالصيد البحري...

ب) "القيام بتنظيم ومراقبة النقل البحري للخطوط المنتظمة والسهر، بتنسيق مع الإدارات والهيآت المعنية، على التنسيق في ميدان استئجار السفن".

كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، فإن هذه الصلاحية تبرر قانونيا تدخل مديرية الملاحة التجارية لسن القواعد القانونية لممارسة أنشطة معينة، مثل ملاحة المساحلة الوطنية، واستئجار السفن، ...

ج) "اقتراح التدابير الكفيلة بتسهيل التشاور وتبادل الآراء بين مجهزي السفن ومؤجريها ومختلف العاملين في قطاع النقل البحري".

في وقت الأزمات، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، عندما أغلقت موانئ جنوب إسبانيا أمام البضائع المغربية، استخدمت مديرية الملاحة التجارية هذه الصلاحية لإيجاد بدائل أخرى واستطاعت بالتالي حماية المصالح الاقتصادية للبلاد.

د) "اقتراح التدابير التشريعية والتنظيمية المتعلقة بصناعة سفن التجارة والترفيه والخدمة وتجهيزها وتسييرها التقني والإداري وكذا تزويدها بالمعدات والسهر على تطبيق هذه التدابير".

تعتبر هذه الصلاحية الأساس أو المرجع القانوني الذي تلتزم وفقه مديرية الملاحة التجارية بإعداد النصوص التي تهدف إلى إدراج الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتنظيم السلامة والأمن البحريين وحماية البيئة البحرية والعمل البحري، ضمن منظومة التشريعات الوطنية.

ه) "القيام بقياس وتسجيل حمولة سفن التجارة والترفيه والخدمة".

يجب الاحتفاظ بهذه الصلاحية، ما لم يفسر الأمر على أنها تنبثق مباشرة من مدونة التجارة البحرية، حيث تنص المادة 8 منها على أن قياس الحمولة هي المعاينة الرسمية للسعة القابلة للاستخدام للسفينة، ويجب أن تنجزه المصالح التابعة لمديرية الملاحة التجارية.

و) "المساعدة والتشجيع، في ما يتعلق بسفن التجارة والترفيه والخدمة، على إحداث مؤسسات ذات طابع اجتماعي لفائدة رجال البحر".

يجب أن تظل هذه الصلاحية، المنصوص عليها في اتفاقية العمل البحري لسنة 2006، التي صادق عليها المغرب، جزءا من صلاحيات مديرية الملاحة التجارية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصلاحية هي التي سمحت للوزارة المكلفة بالصيد البحري من إنشاء "نادي للبحارة" بميناء أكادير، ويكفي التنويه بهذا الإنجاز وحده.

ز) "الإشراف على التكوين البحري لضباط وبحارة الملاحة التجارية وتسليم الشهادات وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل".

تمكن هذه الصلاحية مديرية الملاحة التجارية من تحمل مسؤولياتها كاملة تجاه المجتمع البحري الدولي باعتبارها سلطة بحرية تصدر الإجازات والشهادات. وهو ما يجعل منها الهيأة المعتمدة للمصادقة على برامج التكوين البحري ولضمان مطابقة أنظمة معايير الجودة التي ينفذها كل من مديرية الملاحة التجارية والمعهد العالي للدراسات البحرية، مع مقتضيات الاتفاقية الدولية بشأن قواعد تكوين رجال البحر وتسليم الشهادات وحراسة السفن.

هذا وقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن جميع الصلاحيات المذكورة أعلاه من أ) إلى ز) هي موضوع الفقرة التالية المنصوص عليها في المرسوم الصادر في 26 فبراير 2020 :

"الإسهام في إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بجميع الأنشطة المتعلقة بالملاحة التجارية خاصة في مجال الملاحة البحرية ورجال البحر والعمل البحري والتكوين البحري والنقل البحري والعمل على تنفيذها".

غير أن هذه الفقرة تبرر مهمة الإشراف الموكولة إلى المدير العام للموانئ والملاحة التجارية. ولأجل ذلك يجب أن تكون جزءا من صلاحيات هذا الأخير، في حين أن التفاصيل كما نقلناها يجب أن تظل من صلاحيات مديرية الملاحة التجارية.

وهذا ما تم احترامه تماما فيما يتعلق بصلاحيات مديرية الموانئ التي لم تحتفظ فقط بصلاحياتها برمتها، ولكن مع مراعاة تطور الأمور، فقد أسندت إليها صلاحيات جديدة، ترتبط على الخصوص بتطبيق أحكام المدونة الدولية لأمن السفن ومرافق الموانئ والقانون الجديد المتعلق بالموانئ وبإحداث الوكالة الوطنية للموانئ.

لنا اليقين أنه إذا حظيت ملاحظاتنا بالاهتمام، فإنه بإمكان الوزارة الوصية إعادة الأمور إلى نصابها من خلال اتخاذ مبادرة تعديل النصوص المعنية (المرسوم والقرار الوزاري) نظرا لكون مسطرة تعديلها، على عكس نصوص القوانين، أكثر مرونة وسرعة.

إننا نظل مقتنعين بأن الإدارة العمومية لا يمكنها أن تكون في مستوى مسؤولياتها إلا إذا كانت قوية. ولا يمكنها أن تكون قوية إلا إذا كانت منظمة بشكل جيد ولديها مهارات (موارد بشرية) قوية بما فيه الكفاية لممارسة سلطاتها بشكل كامل والتي تمكنها من اقتراح استراتيجيات تنمية القطاع المكلفة بتدبيره والسهر على تطبيق القوانين والأنظمة التي تحكم هذا القطاع.

Pour réagir à ce post merci de vous connecter ou s'inscrire si vous n'avez pas encore de compte.